بدأت الصناعة الصينية تتطور سريعا اعتبارا من بداية الخمسينات من القرن الماضى. وبعد قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949م ، بدأت الصناعة الصينية تمر بمرحلة الانعاش والتنمية الشاملتين. وحتى تطبيق الاصلاح والانفتاح.
الصناعة في الصين قديما
طلب الحكمة والهيام بالجمال هما قطب العقل الصيني ، وفي استطاعتنا أن نعرف بلاد الصين بأنها بلاد الفلسفة و الخزف ، وإن لم يكن هذا التعريف جامعاً مانعاً. وكما أن طلب الحكمة لم يكن معناه في بلاد الصين الجري وراء أخيلة ميتافيزيقية لا علاقة لها بالحياة ، بل كان فلسفة إيجابية تهدف إلى ترقية الفرد والنظام الاجتماعي ، فكذلك لم يكن عشق الجمال إحساساً به كامناً في النفس أو هواية خاوية للأشكال الفنية التي لا صلة لها بالشئون الإنسانية ، بل كان تزاوجاً أرضيا وثيقاً بين الجمال والمنفعة ، وتصميما عملياً لتزيين موضوعات الحياة اليومية وأدواتها. ومن أجل ذلك ظلت الصين ، إلى الوقت الذي أخذت فيه تخضع مثلها العليا لتأثير الغرب ، تأبى أن تعترف بوجود فرق ما بين الفنان والصانع أو بين هذا و بين العامل العادي. ولقد كانت الصناعات كلها إلا القليل منها من عمل الأيدي البشرية ، وكان كل ما تعمله الأيدي منها حِرفاً متقنة ؛ وكانت الصناعة كما كان الفن تعبيراً عن شخصية الصانع بالشيء المصنوع ، ولذلك بزت الصين كل ما عداها من البلاد في الذوق الفني وفي كثرة ما لديها من الأدوات الجميلة التي تستخدمها في حياتها اليومية ، وإن لم تمد أهلها عن طريق الصناعات الكبيرة بالسلع التي تنعم بها كثرة الناس في البلاد الغريبة. فقد كان الصيني المتوسط الثراء يتطلب أن يكون كل ما يحيط به ، من الحروف التي يكتب بها إلى الصحاف التي يأكل فيها ، مما يشجع حاسة الجمال ، وأن يدل بشكله وصنعه على الحضارة الناضجة الذي هو رمز لها وقطعة منها.
وبلغت هذه الحركة التي ترمي إلى تجميل الجسم والمعبد والمسكن غايتها في عهد أسرة سونج. لقد كانت هذه الحركة عنصراً من عناصر الحياة في عصر أسرة تانج ، وكان من شأنها أن تستمر وتنتشر في عهد الأسر التي أعقبتها ؛ ولكن عهد النظام والرخاء الطويل الذي عم البلاد تلك الأسرة قد أمد الفنون كلها بحاجتها من الغذاء ، وخلع على الحياة الصينية جمالا وزينة لم تستمتع بمثلهما من قبل. ولقد بلغ الصناع الصينيون في صناعة النسيج والمعادن في عهد أسرة سونج وما بعدها درجة من الإتقان والكمال لم يفقهم فيها أحد قبلهم ، وبزوا جميع منافسيهم في كافة أنحاء العالم في اليشب وغيره من الأحجار الصلبة ، ولم يتفوق عليهم في نحت الخشب والنقش على العاج إلا من أخذوا عنهم هذه الصناعة من اليابانيين. لقد كان أثاث المنازل يصنع على أشكال متعددة مختلفة ، فذة في صورتها ولكنها غير مريحة لصاحبها ؛ وكان صناع الأثاث ، الذين تكفيهم صفحة من الأرز يوما كاملا ، يخرجون منه تحفة فنية صغيرة إثر تحفة
وكان الفنان ذو اليد الصناع الذي يخرج هذه الروائع الفنية الدقيقة يزين بها داره ويتخذها بديلا من الأثاث الغالي الثمن ومن أسباب المتعة المنزلية ، وكانت تبعث في نفس مالكها بهجة لا يدركها في بلاد الغرب إلا الخبراء الأخصائيون. أما الحلي فلم تكن موفورة العدد ولكنها كانت بديعة القطع ، وكان الرجال والنساء يبردون وجوههم بمراوح مزخرفة من الريش و الخيزران ، أو الورق أو الحرير الملوّن ، بل إن المتسولين أنفسهم لم تكن تنقصهم المراوح الجميلة وهم يمارسون حرفتهم التليدة. ونشأ فن الطلاء بواسطة اللك في الصين ، وبلغ ذروة الكمال في اليابان. واللك في بلاد الشرق الأقصى نتاج طبيعي لشجرة أصلها من أشجار الصين ، ولكنها الآن تزرع بكثرة في بلاد اليابان ، ويؤخذ عصيرها من جذعها وغصونها ، ثم يصفى ويغلى ليزول منه ما لا حاجة لهم من السوائل ، ويطلي به الخشب الرقيق كما يطلى به المعدن والخزف في بعض الأحيان ، ثم يجفف بتعريضه للرطوبة. ويتكوَّن الطلاء من طبقات تتراوح بين عشرين وثلاثين طبقة يبذل في تجفيف كل واحة منها وصقلها جهد عظيم وعناية بالغة ، وتختلف كل طبقة عن غيرها في لونها وسمكها. وينقش الصينيون بعدئذ هذه الطبقات بعد تمامها بآلة حادة على شكل (7) بحيث يصل كل حز إلى الطبقة ذات اللون الذي يتطلبه الشكل المطلوب. وقد نما هذا الفن على مهل وبدأ في صورة كتابة على شرائح من الخيزران ؛ وكانت مادة اللك تستخدم في عهد أسرة جو لتزيين الأواني والسروج والعربات وما إليها. ثم استخدم في القرن الثاني بعد الميلاد لطلاء الأبنية والآلات الموسيقية ؛ وفي عهد أسرة تانج صدرت الصين كثيرا من الأدوات المطلية باللك إلى اليابان. ولما تولت الُملك أسرة تانج كانت كل فروع صناعة اللك قد ازدهرت وتحددت أشكالها ، وكانت ترسل منتجاتها بحرا إلى الثغور النائية كثغور الهند وبلاد العرب. ولما ولى الملكُ أباطرة أسرة منج خطا الفن خطوة أخرى في طريق الكمال ، وبلغ في بعض نواحيه ذروته. فلما جلس على العرش الإمبراطوران المستنيران كانج شى ، و تشين لونج من أباطرة المانشو صدرت الأوامر الإمبراطورية بتشييد المصانع والإنفاق عليها من مال الدولة ، فأخرجت من روائع الفن أمثال عرش تشين لونج والستر الذي أهداه كانج - شى إلى ليوبولد الأول إمبراطور الدولة الرومانية الشرقية. واحتفظ هذا الفن بتلك الدرجة الرفيعة حتى القرن التاسع عشر ، فكانت الحروب التي أوقد نارها التجار الأوربيون ، وما للمستوردين والعملاء الأوربيين من أذواق منحطة كانت هذه وتلك سبباً في حبس معونة الأباطرة عنه فتدهور مستواه وانحطت رسومه ، وانقطعت زعامته إلى اليابان.
أما صناعة اليشب فهي قديمة قدم التاريخ الصيني نفسه ، وشاهد ذلك أن آثارها وجدت في أقدم القبور. وتعزو أقدم السجلات أول استخدامه"حجر سمع"إلى عام 2500 ق.م. وذلك أن حجر اليشب كان يقطع على صورة سمكة أو نحوها تعلق في إسار ؛ فإذا ما أجيد قطع الحجر وتعليقه خرجت منه أنغام موسيقية واضحة جميلة تدوم مدهشاً في طوله. والاسم الإنجليزي لهذا الحجر Jade مشتق من اللفظ الأسباني Ijada (المأخوذة عن اللفظ اللاتيني Ilia) عن طريق اللفظ الفرنسي Jade ومعناه الحقو. ولما فتح الأسبان أمريكا وجد الفاتحون أهل المكسيك الأقدمين يأتون بهذا الحجر مسحوقاً ومعجوناً بالماء ليعالجوا به كثيراً من الأمراض الباطنية ، فلما عادوا إلى أوربا حملوا معهم هذا العلاج هو والذهب الأمريكي إلى بلادهم. أما الاسم الصيني لهذا الحجر فهو أليق به من الاسم الأوربي وأكثر مطابقة للمعقول. فلفظ جون الذي يطلق عليه معناه لين كالندا ، ويتركب حجر اليشب من معدني الجاديث و التفريت ، والأول يتكون من سليكات الألومنيوم والصوديوم ويتكون الثاني من الكالسيوم والمغنيزيوم. وكلا المعدنين صلب قاس يحتاج تهشيم البوصة المكعبة منه إلى ضغط خمسين طنا في بعض الأحيان. وتكسر القطع الكبيرة منه عادة بتعريضها إلى الحرارة الشديدة ثم إلى الماء البارد على التعاقب. وفي وسع الإنسان أن يدرك حذق الفنان الصيني من قدرته على إظهار ألوان براقة خضراء وسمراء وسوداء بيضاء من هذا الحجر العديم اللون بطبيعته ، ومن صبره الطويل ومثابرته ، حتى يخرج منه أشكالا مختلفة لا عداد لها ، حتى لا يكاد الإنسان يجد بين مجموعات اليشب التي في العالم كله قطعتين متماثلتين ، اللهم إلا أزرار الملابس. وكان أول ما عثر عليه من مصنوعات يشبية في عهد أسرة شانج في صورة ضفدعة تستخدم قرباناً مقدساً ، وصنعت منه أدوات غاية في الجمال في أيام كنفوشيوس. وبينما كان الناس في غير الصين يتخذون من اليشب فؤوساً ، ومدى وأواني ، فإن الصينيين كانوا يعظمون الحجر تعظيماً حملهم على ألاّ يستخدموه إلا في التحف الفنية الجميلة ، إذا استثنينا بعض القطع النادرة القليلة العدد.
وكان عندهم أثمن من الفضة و الذهب والحلي على اختلاف أنواعها. وكانوا يقدرون بعض مصنوعات اليشب الصغيرة كخواتم الإبهام التي يتحلى بها كبار الحكام الصينيين بما يقرب من خمسة آلاف ريال ، ويقدرون بعض القلائد اليشيبية بمائة آلاف ريال. وكان المعنيون بجمع القطع النادرة منه يقضون السنين الطوال في البحث عن قطعة واحدة، ويقال إن ما يوجد في الصين من التحف اليشبية إذا جمعت في مكان واحد تكونت منها مجموعة لا تماثلها مجموعة من أية تحف صنعت من مادة أخرى في جميع أنحاء العالم(36). ولا يكاد البرنز يقل قدماً عن اليشب في الفن الصيني ، وهو يفوقه مقاماً وتقديراً عند الصينيين. وتروى الأقاصيص الصينية أن الإمبراطور يو ، أحد أباطرة الصين الأقدمين وبطل الطوفان الصيني ، تلقى المعادن التي بعثت بها إليه الدويلات التسع الخاضعة لحكمه ، وهى الخراج المفروض عليها ، ثم صبها كلها وصنع منها ثلاث قدور لكل منها تسع أرجل، لها من القوة السحرية وتستطيع به أن تدفع المؤثرات البغيضة، وتجعل ما يوضع فيها من المواد يغلى بغير النار ، ويخرج منها كل ما لذ وطاب من طعام وشراب. ثم أصبحت هذه القدور الرمز المقدس للسلطة الإمبراطورية ، وتوارثتها الأسر واحدة بعد واحدة ، فكانت كل منها تتلقاها بعناية فائقة من التي قبلها ، ولكنها اختفت بطريقة مجهولة غامضة بعد سقوط أسرة جو ، وهي حادثة كان لها أسوأ الأثر في منزله شى هوانج دي.
ثم أصبح صب البرونز ونقشه فنا من الفنون الجميلة الصينية ، وأخرجت منه البلاد مجموعات تطلب حصر أسمائها وتصنيفها اثنين وأربعين مجلدا. وكان يصنع منه أواني للحفلات الدينية التي تقيمها الحكومة أو يقيمها الأفراد في منازلهم ، وقد أحال آلافاً من أنواع الأواني المنزلية إلى تحف فنية ، وليس في العالم كله ما يضاهي مصنوعات الصين البرونزية إلا ما صنع من في إيطاليا في عهد النهضة الأوربية ، ولعلها لا يضاهيها من هذه المصنوعات إلا "أبواب الجنة" التي وضع تصميمها غبرتي Ghiberti ليزين بها موضع التعميد في فلورنس. وأقدم ما لدينا من القطع البرونزية الصينية أواني قربانية كشفت حديثاً في هونان ؛ ويرجعها العلماء الصينيون إلى عهد أسرة شانج ، ولكن الخبراء الأوربيين يرجعونها إلى عهد متأخر عن ذلك الوقت وإن كانوا لا يحددون تحديداً مضبوطاً.
وأقدم الآثار المعروفة تاريخها هي التي ترجع إلى عهد أسرة جو ومن أروعها كلها مجموعة آنية الحفلات المحفوظة في المتحف الفني بنيويورك. وقد استولى شى أونج دي على معظم ما كان لدى أسرة جو من آنية برونزية لئلا يصهرها الأهلون ليتخذوا منها أسلحة. وصنع ما تجمع له من هذا المعدن اثنا عشر تمثالا ضخما يبلغ ارتفاع كل منها خمسين قدماً ، ولكن هذه التماثيل كلها لم تبق منها قدم واحد. وقد صنعت في عهد أسرة هان كثير من الآنية الجميلة طعمت أحياناً بالذهب. وليس أدل على رقي هذا الفن في الصين من أن الفنانين الذين دربوا في تلك البلاد هم الذين صنعوا عدداً من التحف التي تعد من روائع الفن ، والتي زين بها هيكل هرتوجي في مدينة نارا اليابانية. وأجملها كلها ثلاثة تماثيل لأميدا - بوذا تصورها جالسة على أسرة في صورة زهرة الأزورد ؛ وهي أجمل ما وجد من تحف في تاريخ صناعة البرونز في العالم أجمع. ووصل فن البرونز إلى ذروة مجده أيام أسرة سونج ، وإذا كانت التحف التي صنعت منه لم ترق إلى ذروة الكمال فإنها قد بلغت الغاية في كثرة عددها وتباين أشكالها ؛ فقد صنعت منه قدور ودنان خمر ، وآنية ، ومباخر ، وأسلحة ، ومرايا ، ونواقيس ، وطبول ومزهريات ؛ وكانت الآنية المنقوشة والتماثيل الصغيرة تملأ الرفوف في دور خبراء الفن وهواته ، وتجد لها مكاناً في كل بيت من بيوت الصينيين. ومن أجمل النماذج الباقية من أيام أسرة سوج مبخرة في صورة جاموسة البحر ، وقد ركب عليها لو دزه وهو هادى مطمئن ليثبت بهذا قدرة الفلسفة على إخضاع الوحوش الكاسرة ، ولا يزيد سمك جدران المبخرة على سمك الورقة ، وقد اكتسبت على مر الزمان قشرة أو طبقة خضراء مرقشة خلعت عليها جمال القدم ، ثم انحط هذا الفن انحطاطاً تدريجياً بطيئاً في عهد أسوة منج. فزاد حجم التحف وقلت جودتها ، وأصبح البرونز ، الذي كان مقصوراً على صنع آيات الفن في عهد الإمبراطور يو ، فناً عاما تصنع منه الآنية العادية التي تستخدم في الأغراض اليومية ، وتخلى في مكانته الأولى للخزف. ولم يكن النحت من الفنون الكبرى ، ولا من الفنون الجميلة ، عند الصينيين. وسبب هذا أن تواضع الشرق الأقصى أبى عليه أن يتخذ الجسم البشرى نموذجاً من نماذج الجمال. ولهذا فإن الذين اتخذوا صناعة التماثيل البشرية حرفة لهم وجهوا قليلا من عنايتهم إلى تمثيل ما على الأجسام من ملابس ، واستخدموا تماثيل الرجال - وقلما استخدموا تماثيل النساء - لدراسة بعض أنواع الإحساسات أو لتصويرها ؛ ولكنهم لم يمجدوا الأجسام البشرية. ومن أجل ذلك تراهم في الغالب قد قصروا تصوير الناس على تماثيل القديسين البوذيين والحكماء الدويين ، وأغفلوا تصوير الرياضيين والسراري ممن كانوا وكن مصدر الإلهام للفنانين من اليونان.
وكان المثالون الصينيون يفضلون تمثيل الحيوانات على تمثيل الفلاسفة والحكماء أنفسهم. وأقدم ما نعرفه من التماثيل الصينية التماثيل الإثنى عشر الضخمة المصنوعة من البرونز ، والتي أقامها شى هوانج دي. وقد صهرها فيما بعد أحد الحكام من أسرة هان لا يتخذ منها "فكة" برنزية. وبقي من أيام أسرة هان عدد قليل من التماثيل البرونزية ، ولكن كل ما صنع منها في ذلك العهد إلا قلة ضئيلة قضت عليه الحرب أو قضى عليها الإهمال الطويل الأمد.
والتماثيل البشرية قليلة أيضا في هذه القلة الباقية ، والأثر الهام الوحيد الباقي من أيام أسرة هان نقش بارز من نقوش القبور ، عثر عليه في شانتونج. وصور الآدميين القليلة نادرة في هذا النقش أيضاً ، وأهم ما يشغل رقعته صور حيوانات بارزة رقيقة. واقترب من هذا النقش إلى صناعة النحت التماثيل الجنازية الصغيرة المتخذة من الصلصال - وأكثرها حيوانات منها قلة تمثل خدماً أو زوجات -وكانت تدفن مع الموتى من الذكور عوضا عن الأزواج والخدم الأحياء. وقد بقيت من هذا العهد تماثيل مستقلة لحيوانات منها تمثال رخامي لنمر كله عضلات يمثل اليقظة أدق تمثيل ، وكان يتولى حراسة معبد اسنيانج فو ؛ ومن هذا الدببة المزنجرة التي تشتمل عليها الآن مجموعة جاردنر Gardner في مدينة بوسطن Boston ، ومنها الآساد المجنحة المصابة بتضخم الغدة الدرقية والتي وجدت في مقابر نانكنج. وكل هذه الحيوانات والخيول المزهوة الممثلة في نقوش القبور البارزة السالفة الذكر تشهد بما كان للفن اليوناني البكتري والفن الآشوري و السكوذى من أثر في الفن الصيني ؛ وليس فيها شيء من مميزات الفن الصيني الخالص.
وفي هذه الأثناء كانت الصين قد بدأت تتأثر بشيء آخر هو أثر الدين والفن البوذيين ، وقد استوطن هذا الفن البوذي في أول الأمر التركستان ، وأقام فيها صرح الحضارة كشف اشتين Stein وبليوت Pelliot في أنقاضها عن أطنان كثيرة من التماثيل المحطمة يضارع بعضها أكثر ما أخرجه الفن الهندي البوذي. واستعار الصينيون هذه الأشكال البوذية من غير تغيير كبير فيها ، وأخرجوا على غرارها تماثيل لبوذا تضارع في جمالها ما صنع في جندارا أو في الهند. وأقدم هذه التماثيل ما وضع في معابد يون كان الكهفية في شانسي (حوالي 490 م) ، ومن أحسنها تماثيل مغارات لونج من هونان ، فقد أقيمت في خارج هذه المغارات عدة تماثيل ضخمة أعجبها كلها تمثال بوذستوا الجميل ، وأروعها بوذا "فيروشانا" (حوالي 672 م) الذي تحطم جزء منه عند قاعدته، ولكنه لا يزال محتفظا بروعته الموحية الملهمة. وإلى شرق هذا الإقليم في شانتونج وجد كثير من معابد الكهوف نقشت على جدرانها أساطير على الطريقة الهندية يظهر في أماكن متفرقة منها تمثال قوي لبوذيستوا شبيه بالتمثال الذي في الكهف بون ِمن ، (ويرجع تاريخه إلى حوالي عام 600 م)(47). واحتفظت أسرة تانج بالتقاليد البوذية في النحت ، وقد بلغ درجة الكمال في التمثال بوذا الجالس (حوالي 639 م) الذي عثر عليه في ولاية شنسي Shensi . وأخرجت الأسر التي جاءت من بعدها تماثيل ضخمة من الصلصال تمثل أتباعا لبوذا الظريف لهم وجوه كالحة كوجوه رجال المال ، كما أخرجت عددا من التماثيل الجميلة تمثل كوان - بن إله مهايانا وهو يوشك أن يتحول من إله إلى إله.
وفقد فن النحت إلهامه الديني بعد أسرة تانج ، واصطبغ بصبغة دنيوية تنحط أحياناً إلى صبغة شهوانية ، حتى شكا رجال الأخلاق في ذلك الوقت ، كما شكا رجال الأخلاق في إيطاليا في عصر النهضة ، من أن الفنانين ينحتون للقديسين تماثيل لا تقل رشاقة ورقة عن تماثيل النساء ، فوضع الكهنة البوذيون قواعد للتصوير تحرم تحديد شخصية صاحب الصورة أو إبراز معالم الجسم. ولربما كانت النزعة الأخلاقية القوية عند الصينيين هي التي عاقت تقدم فن النحت. وذلك أنه لما أن فقد الدافع الديني أثره المحرك القوي في الفن ، ولم يسمح لجاذبية الجمال الجثماني بأن يكون شأن فيه ، اضمحل فن النحت في بلاد الصين ، وقضى الدين على ما لم يعد في مقدوره أن يكون له ملهماً. وما أن اقترب عهد أسرة تانج من نهايته حتى أخذ الابتكار في فن النحت ينضب معينة. وليس لدينا من القطع الفنية الممتازة التي أخرجتها أسرة سونج إلا عدد قليل ؛ أما المغول فقد خصوا الحرب بجهودهم ؛ وأما أباطرة المنج فقد نبغ في عهدهم بعض المثالين الذين أخرجوا تماثيل غريبة وأخرى ضخمة من الحجارة كالهولات التي تقف أمام مقابر أباطرة المنج. فلما ضيق الدين الخناق على فن النحت لفظ أنفاسه الأخيرة ، وأخلي ميدان الفن الصيني للخزف والنقش.
الصناعة في الصين حديثا
اسست الصين بصورة اولية نظام الصناعة المتكامل نسبيا. وشهدت صناعة البترول التقليدية والصناعتان الكيماوية والالكترونية اللتان تعتبران صناعتين حديثتين حينذاك شهدت تطورا سريعا نسبيا ، وحققت الصناعتان النووية والفضائية اللتان تعتبران صناعيتين للعلوم والتكنولوجيا العالية حققتا تطورا اختراقيا. ومنذ أواخر السبعينات من القرن الماضى، شهدت الصناعة الصينية زخم نمو اسرع، وخلال الفترة من عام 1979 الى عام 2003 ، بلغ معدل النمو الصناعى السنوى اكثر من 10% .
وبعد اكثر من خمسين عاما من النمو الصناعى، ازداد حجم الانتاج الصينى للمنتجات الصناعية الرئيسية بعشرات الاضعاف حتى بمئات الاضعاف لبعضها. وتصدر انواع عديدة من المنتجات الصناعية الى مختلف انحاء العالم. وظلت كمية انتاج الصين لكل من الحديد والصلب والفحم والأسمنت والأسمدة والأجهزة التلفزيونية تحتل المركز الاول فى العالم منذ عام 1996.
وفى عام 2003، بلغت القيمة المضافة للانتاج الصناعي الصيني 5.3612 تريليون يوان صيني، بزيادة 12.6 % عما كان عليه فى عام 2002. والان، لا تستطيع الصين انتاج الطائرات والسفن والسيارات فحسب، بل تستطيع انتاج الاقمار الصناعية ومعدات الصناعة الحديثة أيضا. وقد تشكل فى الصين نظام صناعى مستقل ومتكامل الاقسام والمجالات. وستطبق الصين فى المستقبل استراتيجية تطوير التصنيع اعتمادا على تطوير القطاع المعلوماتي من اجل الاسراع بالنمو الاقتصادي الصيني.